كنت في منتدى التوحيد من فترة ودخلت في حوارات طويلة مع الكثير من
محاوريهم، في النهاية حظروني دون أي سبب لأنهم لا يستطيعون الحديث إلا مع أنفسهم ولا
يرتاحون للردود إلا من طراز "جزاك الله خيرا" ولا يريدون أن يفسد عليهم
أحد الاستمناء العاطفي الذي يعيشون فيه بأي فكرة مخالفة، فتجد أنهم لا يتحملون أن
مشاركة ليس فقط من الملحدين بل حتى من المسلمين الآخرين المخالفين. أحدهم يسأل "لماذا هناك شيء بدلا من لا شيء؟" السؤال
جيد لكن الإجابة التي يريد تسويقها تزيد تعقيد السؤال بدلا من حله، فهو يزعم أنه
عندما يقول أن الله خلق الكون فقد عرف لماذا هناك شيء بدلا من لا شيء؟ لكن الله
نفسه هو شيء فلماذا هناك هذا الشيء المسمى الله بدلا من لا شيء؟ أنتظر إجابة من
منتدى التوحيد.
موضوع آخر دخلت في حوار طويل فيه في منتدى التوحيد كان بعنوان "إنكار
وجود الله يقود إلى إنكار وجود العقل". صاحب هذا الموضوع يزعم باختصار أنه إن
لم يكن هناك عليم أزلي يعلم قوانين المنطق منذ الأزل فإنه لا يمكن وجود مثل هذه
القوانين. في ردي عليه بينت أن قوانين المنطق هي قوانين وضعها البشر لوصف كيفية
عمل الكون وأنها لا تستلزم وجود أي عقل يتجاوز العقل البشري، لكن هنا أريد أن أنتقل
من الدفاع للهجوم وأبين أن وجود عليم أزلي لا يشرح بأي حال وجود المنطق والرياضيات
وكل المفاهيم التجريدية. المسلم أو المسيحي أو أي متدين يزعم أن الله هو مصدر
المنطق لا يستطيع الإجابة على الأسئلة الثلاث التالية.
1. لماذا الله موجود بدلا من أنه غير موجود؟
2. لماذا الله عنده صفات معينة وليس صفات أخرى؟
3. لماذا إرادة الله فعالة بدلا من أنها غير فعالة؟
المسلم يعتقد أنه قبل وجود أي شيء كان هناك فقط شيء واعي واحد هو الله
وأن هذا الشيء له تفكير ورغبات ومشاعر، ليس فقط تفكير عشوائي لكن تفكير منظم وأن
هذا الشيء كان دائما موجودا بدون أي سبب، لأنه لو احتاج لسبب فهذا سيعني وجود وعي
يتجاوزه وهذا ليس ما يؤمن به المسلمون. معنى ذلك أن الله لا يمكن أن يفسر وجود نفسه،
لأنه لو لم يتواجد فلا يمكن أن يسبب وجود نفسه وإن تواجد دائما فلا سبب لوجوده.
هذا ما يؤمن به المسلمون، أن شيئا واعيا له أفكار ومشاعر تواجد دائما دون سبب،
وأغرب من ذلك إيمانهم أن هذا الشيء إرادته فعالة بمعنى أنه بمجرد أن يريد شيئا
فإنه يحدث، مثلا إن قرر أن نجما سيأتي للوجود ففجأة ستخرج مليارات مليارات الأطنان
من المادة الفيزيائية للوجود من لا شيء. السؤال لماذا؟ لماذا يحدث هذا؟ لماذا
إرادة هذا الشيء فعالة؟ لماذا مثلا لا تكون إرادته غير فعالة، وإن أراد خلق كوكب
مثلا فإنه لن يحدث شيء؟ أو أن يريد أن يخلق شجرة مثلا فيظهر مكان ذلك حيوان؟ لماذا
الأمور مرتبة لهذا الشيء بحيث أن ما يريده يحدث؟ طبعا لا يمكن أن يكون الله هو سبب
كون إرادته فعالة لأن لو لم تكن إرادته فعالة لم يكن لأن يستطيع أن يحولها لفعالة،
وإن كانت فعالة دائما فليس هناك سبب لذلك. بعبارة أخرى إرادة الله فعالة دون أي
سبب.
خلاصة ما سبق أن وجود الله و قدراته وفعالية إرادته هي أمر عشوائي تماما
ولا يستند إلى أي سبب منطقي ولا يمكن القول أن صفة معينة للإله هي أفضل من أخرى،
لأنه لو كان هناك سبب منطقي لاحتاج ذلك لوعي أعلى من الله وهو ما لا يؤمن به
المسلمون. المسلمون يزعمون أن الملحدين لا يمكن أن يفسروا وجود المنطق، لكن
الغريب في المسألة هو كيفية تفسير المسلمين للمنطق. هم يزعمون أن المنطق يعتمد على
العليم الأزلي الذي اتضح مما سبق أن وجوده و صفاته وفعالية قدرته هي مجرد شيء
عشوائي وبالتالي فإن قوانين المنطق المعتمدة عليه هي كذلك عند المسلمين أمر عشوائي
لا سبب له. فهل يعتقد المسلمون بعد هذا أنهم فسروا وجود أي شيء؟! إن كان تفسير
وجود كل شيء أمر مهم جدا عند المسلمين فلماذا يضيعون أوقاتهم في سؤال الملحدين عن
تفسيرهم للمنطق في حين أن الأولى بهم أن يسألوا أنفسهم عن تفسير وجود الله؟