الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

فيلم الإساءة للرسول محمد - Muhammad Movie Trailer


 Arabic مدبلج للعربية

English

الأخلاق بين الطبيعية والألوهية - الجزء الثاني

ثانيا: لماذا علينا الالتزام بالأفعال الصواب وتجنب الخطأ؟

النوع الإنساني بشكل عام يسعى لتحقيق الرفاه والصحة والسعادة ليس لنفسه فقط لكن للمجتمع ككل. فالإنسان لديه القدرة الإحساس بمشاعر الأفراد الآخرين فهو عندما يرى إنسان معين في ظرف سيء يتخيل نفس ما يتعرض له هذا الإنسان من حزن أو خوف أو ألم أو جوع أو عطش وما إلى ذلك ويتمنى أن لا يقع في نفس موقف هذا الشخص ما يدفعه للمساعدة أولا حتى يخفف عن نفسه بالتخفيف عن الآخرين وثانيا آملا أن يساعده الآخرون إن تعرض لنفس الموقف. هذا هو المصدر الحقيقي للرحمة والإحساس بالآخرين في البشر. أضف إلى ذلك أن الإنسان كائن اجتماعي يحتاج للتعامل مع الآخرين ولكي يستطيع الإنسان أن يكون دائرة من الأصدقاء فلا بد أن يلتزم بالأخلاق الذي تجعل الآخرين يحبون التواجد معه. جرب مثلا إن دعاك أحد لمنزله للغداء أن تخرب كل شيء ثم انتظر هل سيدعوك مرة أخرى أم لا؟ إذاً إن أردت أن يتعامل معك الآخرون بشكل جيد فلا بد من الالتزام بالقاعدة الذهبية وأن تتعامل مع الآخرين كما تحب أن يتعاملوا معك. الإنسان ينجذب للأشخاص اللطفاء الرحماء الكرماء الأوفياء الصادقين ويشعر بالاطمئنان والسلام حولهم وينفر من القساة البخلاء الكذابين..الخ ويشعر بالخوف حولهم، لذلك إن أراد أن يكون مع الصنف الأول فلا بد أن يتحلى هو نفسه بنفس الصفات. أخيرا فأكثر إنسان يتواجد معه الإنسان هو نفسه لذلك فهو يحتاج أن يكون هذا الشخص الذي يتواجد معه دائما من الناس الذين ينجذب إليهم ويطمئن بهم وليس ممن ينفر منهم. خلاصة ما سبق أن التزام الإنسان بالأخلاق هو أمر مبني على حاجة الإنسان.

الآن سيعترض البعض أن هذا الإلزام مبني على حسابات عقلية وليس على إلزام أخلاقي غير مبني على أمور مادية.  وأن الإلحاد وإن أعطانا إلزام عقلاني مبني على سؤال (ما هو الحال؟) فإنه لا يوفر إلزام أخلاقي مبني على سؤال (ماذا ينبغي أن يكون عليه الحال؟). هنا لا بد من التوضيح أن ما يسمى بالإلزام الأخلاقي غير المبني على أي شروط مادية ما هو إلا شيء تخيلي لا وجود له في أرض الواقع حتى لو كان هناك إله فلا يمكن الحصول على إلزام أخلاقي غير مشروط منه. الإسلام يقول أن هناك خالق خلقنا و أعطانا أوامر بناء على ما يتمتع به من صفات. لكن كل ما سبق لا يتحدث إلا عن (ما هو الحال؟) وليس (ما ينبغي أن يكون عليه الحال). كل قصة الإسلام لا يمكن أن تفسر لماذا أوامر الله ملزمة بدون شروط؟ بالتأكيد أوامر الله ملزمة (إذا) أردت أن تنجو من النار أو (إذا) أردت أن تدخل الجنة أو (إذا) أردت أن تطيع الله لكن هذا سيعيدنا إلى مربع الإلزام المشروط بحسابات عقلانية. قولنا أن الله أمر بعدم الارتداد عن دينه لا يعطي أي إلزام أخلاقي هو فقط يتحدث عن ما هي الحالة ولا يمكن أن يستمد منه أي إلزام أخلاقي كما لا يمكننا أن نستمد إلزام أخلاقي من أن قانون المرور يمنع عبور الإشارة الحمراء فالقضية ليست القانون لكن لماذا وُضع القانون؟ والمشاكل المترتبة على قطع الإشارة الحمراء وهذه أمور عقلانية. الإلزام الأخلاقي كما يريد الألوهيين تعريفه ببساطة غير موجود لا في الأديان ولا في الإلحاد. إنه مجرد خيال، هناك فقط إلزام عقلاني والإصرار على ضرورة وجود معايير متسامية غير مادية وغير مشروطة هو أمر يدين صاحبه ومرجعيته أولا قبل الآخرين لأنه يطالب بشيء لا يستطيع هو نفسه بمرجعيته أن يوفرها.

الادعاء أننا نحتاج معايير أخلاقية متسامية غير مادية غير مشروطة لنضع حقائق أخلاقية موضوعية لا يقل سذاجة عن القول أننا نحتاج معايير طبية متسامية غير مادية غير مشروطة لنضع حقائق عن صحة الإنسان. الأخلاق هي علم تحقيق الرفاه الاجتماعي والمجتمعي كما أن الطب هو علم تحقيق الرفاه الفسيولوجي. الحقائق الأخلاقية هي مثل الحقائق الطبية موجودة وموضوعية. هناك أمور أخلاقية موضوعيا علينا فعلها وأمور لا أخلاقية موضوعيا علينا تجنبها بناء على كون هذه الأمور مفيدة أو مخربة.

الأخلاق بين الطبيعية والألوهية - الجزء الأول

الأخلاق مبحث مهم لأنه يتعلق بكيف نتصرف ونتعامل مع بقية العالم في هذه الحياة التي لا نعرف غيرها. لكي نعالج الموضوع بشكل جيد لا بد من الحديث في النقاط التالية:
1. تعريف الصواب والخطأ الأخلاقي و كيف نميز بينهما؟
2. لماذا علينا الالتزام بالأفعال الصواب وتجنب الخطأ؟
3. علاقة ذلك بإله المسلمين

أولا: ما معنى الصواب والخطأ الأخلاقي؟ وكيف نميز بينهما؟
ما معنى أن السرقة خطأ مثلا ؟ ما الشيء الذي يميز الأمور الخاطئة؟ ما الشيء المشترك بين جميع الأفعال الخاطئة؟ في المقابل ما الشيء المشترك بين جميع الأفعال الصحيحة؟ التعريف الذي يمكن أن يوافق عليه غالبية البشر أن الصواب الأخلاقي هو ما يسبب السعادة والصحة والرفاه ويقلل الضرر والمعاناة غير الضروية بينما الخطأ الأخلاقي هو ما يسبب الضرر والمعاناة غير الضروية و يقلل السعادة والصحة والرفاه. قد يقول البعض أن هذا يعتمد على وجهة نظرك. هذا غير صحيح فهذا ليس شيئا يعتمد على وجهات النظر بل أمر موضوعي يمكن حتى قياسه بالأجهزة فلو وضعت عقل انسان يتعرض لعذاب معين في جهاز ام ار اي مثلا فيمكن قياس حالة الدماغ أثناء هذا الألم. فالسعادة والرفاه الصحة والضرر هذه كله أشياء حقيقية لا تعتمد على وجة نظري فلا يتطلب أن أعتقد أن شخص يموت حتى يكون هذا الشخص يموت فعلا.

الآن سيقول قائل أن هذا تعريفك وتعريفك هو أمر شخصي ذاتي وليس موضوعيا، صحيح ولكن أيضا تعريف المسلمين للأخلاق على أنها ما أمر به الله أمر شخصي. فالكل سيبدأ بتعريف لكن ما يهم هو ما يدل عليه هذا التعريف وما هو التعريف الأكثر منطقية وتماسكا. حتى لو كان هناك إله وأمر بأمور معينة فلا يوجد ما يستوجب تعريف الخطأ والصواب الأخلاقي بناء على أوامره هذه إلا إذا قمت أنت بوضع هذا التعريف بنفسك.

لو سألنا مثلا هل ترك الإسلام أمر خطأ أم صواب أخلاقيا؟ بناء على تعريفي هو ليس بخطأ لكن في النظرة الدينة هو خطأ لأنه فقط يخالف ما أمر به إله الإسلام. الآن ندخل في معضلة فهل هذا الأمر سيء لأن الله نهى عنه أم أن الله نهى عنه لأنه سيء. إن كان الأول فالأخلاق ستصبح عشوائية وأياً كان ما أمر الله به فيصبح هذا الأمر أخلاقي حتى لو سبب معاناة لامنتهية. ما يعني أيضا أن وصفنا لله أو أوامره أنها جيدة لا معنى له. وإن كان الثاني فهذا يعني أن الله يلجأ لمعايير خارجة عن نفسه ليحدد ما هو الصواب من الخطأ ،الأمر الذي يجعله مجرد رسول للأخلاق وليس مصدر الأخلاق ويجعل الألوهية غير ضرورية كمصدر للأخلاق.
البعض قد يلجأ لخيار ثالث ليقول أن الأخلاق هي أمور تعكس صفات الله الأزلية. هذا الجواب لا يخلو من مشاكل أولها أن صفات الله تحتوي بعض الصفات التي تعتبر لا أخلاقية عند البشر كالجبار والمتكبر والمحيي المميت والنافع الضار. بالإضافة إلى أن هذا الجواب لا يحل المعضلة بقدر ما يؤخرها خطوة. فالسؤال يبقى لماذا مثلا صفة الرحمة هي أخلاقية؟ إجابة المؤمن: لأن الرحمة تعكس صفات الله الأزلية. السؤال: ولماذا الرحمة هي صفة من صفات الله الأزلية؟ إجابة المؤمن: لأن الرحمة أخلاقية. وهكذا ندخل في الدور إلى مالا نهاية.

قولنا أن الكذب فعل لا أخلاقي أو أن الله رحيم هي عبارات لا معنى لها في النظرة الدينية لأن معيار المسلمين لتقييم الله هو الله نفسه فالقول أن الله رحيم لا يضيف شيئا في هذا السياق أكثر من قولنا أن الله هو نفسه. وقولنا أن الله يأمر بالأخلاق لا يضيف شيئا عن قولنا أن الله يأمر بما يأمر به. هذا يمكن تطبيقه على أي أحد مثلا لو قلت أن لطفي أخلاقه كاملة، وسأل أحدهم ما معنى أن تكون كامل الأخلاق؟ الجواب هو أن تكون على نفس أخلاق لطفي. ولماذا أن تكون على أخلاق لطفي يعني أن تكون كامل الأخلاق؟ الجواب لأن لطفي أخلاقه كاملة وندخل في الدور.

بعبارة أخرى فإن القول أن الله له صفات الكمال الأخلاقي لا يختلف عن قولنا أن الله هو نفسه! هل هذا يعني أن الله مهتم بصحة الإنسان أو رفاهه أو بتقليل الضرر والمعاناة أو نشر العدل والمساواة ؟ لا! هذا يعني فقط أن الله هو نفسه! هل يمكن أن يأمر الله بأوامر تؤدي للمعاناة ويبقى هو نفسه كامل الأخلاق في نفس الوقت؟ نعم! هل الإحسان للجار أخلاقي لأنه يؤدي إلى مجتمع متماسك أم أنه أخلاقي فقط لأن الله أمر به؟ عند المسلمين هو فقط أخلاقي لأن الله أمر به حتى لو أدى لتدمير المجتمع فهو أخلاقي .في الإسلام الله أخلاقي فقط من التعريف ولا يوجد في الاسلام أي معنى للأخلاق خارج عما يأمر به الله لذلك مهما كانت هذا الأوامر فستوصف دائما بأنها أخلاقية. هل من المسلمين أحد يمتلك من الشجاعة الأدبية ما يكفي للاعتراف بأن القول أن الله أخلاقي لا معنى له أكثر من قولنا أن الله هو الله؟! 

يتبع...