الأحد، 24 يونيو 2012

ما معنى أن الله على كل شيء قدير؟ صفات الله الفارغة من المضمون.

كلية القدرة أحد الصفات التي تنسب دائما للآلهة في مختلف الأديان، لكن عند التدقيق في هذه الصفة نجد أنها فارغة من المضمون. فأول ما يتبادر للذهن من هذه الصفة أن الله يستطيع أن يفعل أي شيء يخطر على البال، لكن لو سألنا أي مؤمن هل يستطيع الله أن يخلق دائرة مربعة فسيكون الرد غالبا بأن الله يقدر فقط على فعل الأمور الممكنة منطقيا، فهنا علينا أن نعدل تعريف كلية القدرة إلى أن الله على كل شيء " ممكن منطقيا " قدير. لكن هذا التعريف أيضا لا يكفي فلو سألنا هل يستطيع الله أن يكذب أو أن يفعل الشر أو أن يموت أو أن يلد أو يولد فقد يجيب البعض أن هذا يخالف صفات الله وعظمته وبالتالي فلا يستطيع الله أن يفعلها. قد يجادل البعض أن الله يستطيع أن يفعل هذه الأشياء لكنه لا يفعلها لأنها تخالف صفاته الأخرى وهذا لا يختلف عن الإجابة الأولى ففي النهاية الله لا يقدر على هذه الأمور ومقيد بالصفات الأخرى. بالتالي علينا تعديل التعريف مجددا إلى أن الله على كل شيء " ممكن منطقيا ولا يتخالف مع صفاته " قدير.
لكن هذا التعريف ينطبق على الجميع، حتى الإنسان فهو على كل شيء " ممكن منطقيا ولا يتخالف مع صفاته " قدير. ويصبح الإنسان وكل شيء على كل شيء قدير و كلي القدرة! ويحق لي أن أدعي أنني على كل شيء قدير وإن اعترض أحد وسألني هل تستطيع أن ترسم دائرة مربعة ؟ سأرد ان هذا أمر غير منطقي، وإذا سألني آخر هل تستطيع أن تطير؟ سأقول له هذا لا يتوافق مع صفاتي.

 فما المميز في قولنا أن الله على كل شيء قدير أو أن الله كلي القدرة؟ لا شيء مميز فهي فقط صفات تعظيمية مستحيلة منطقيا وضعها مخترعي فكرة الله لاضفاء هالة على آلهتهم دون تفكير عميق في تبعات هذه الصفات.

السببية والخلق من عدم


قد يكون أشهر استدلال على وجود الله هو دليل أن البعرة تدل على البعير، أو أن النجار صنع الباب. فيقال أنه بما أنه لكل شيء سبب فنصل لسبب أول. هذا الاستدلال يفشل من جهات عديدة سأكتفي هنا بتوضيح أحدها.
يقال أن الله سبّب الكون وأتى به إلى الوجود كما سبّب النجار الباب أن يأتي للوجود، لو تمعنا في مثال الباب فإن النجار لم يخلق شيئا من العدم كل ما قام به هو تحويل الخشب والمسامير إلى شكل آخر سميناه بابا. أو أن البعير حول الطعام إلى بعرة. وهكذا كل الأمثلة التي رأيناها في الطبيعية هي مجرد تحويل مادة او طاقة من شكل إلى آخر. ففي أي سببية يمكن أن نلحظها في الكون عندنا ثلاثة أطراف المادة الأولية والصانع والمصنوع. وهذا ما يمكن أن نسمية الخلق من مادة. لكن بالنسبة لله والكون فالله أتى بالكون إلى الوجود دون أن يؤثر على مادة سابقة وهذا ما يسمى الخلق من عدم. وهذا أمر لم نشهد له مثيل في الطبيعية ولم نر أي أحد قبل ذلك يخلق شيئا من عدم. الآن يأتي المسلم ليخبرنا أن الله خلق الكون من عدم و يفترض أن يسوق لنا أمثلة ليثبت كلامه لكن ويا للعجب بدلا أن يسوق لنا أمثلة على الخلق من عدم يسوق لنا أمثلة على الخلق من مادة.
قد يقول البعض أنه صحيح أننا لم نرى أي خلق من عدم لكن السببية التي استنتجناها من الخلق من مادة يمكننا تعميمها على الخلق من عدم. وهذا لا يستقيم لأنه يدمر مفهوم السببية فالنجار سبب الخشب أن يتحول إلى باب، لكن ما الذي سببه الله أن يتحول إلى كون؟ لم يكن هناك شيء متوفر حتى يسبب الله تحوله ، فإن أردت القول أن الله "سبب لا شيء أن يتحول إلى الكون" فهذا كلام غير معقول وينفي أن الله سبب شيئا أساسا، وإن أردت القول أن الله سبب الكون أن ياتي للوجود فهذا غير ممكن أيضا لأن الكون لم يكن موجودا قبل أن يسببه الله فكيف يمكن لله أن يسبب شيئا غير موجود؟
قد يعترض البعض أن قانون السببية قانون عقلي وليس قانون مادي، في النهاية العقل هو شيء يعتمد على المادة لكن حتى لو تعاملنا مع السببية كقانون عقلي ولا علاقة له بالمادة فلا زلنا بحاجة لثلاثة أطراف، ففي أي عملية تفكير سيكون هناك حالة دماغ معينة لاتخاذ قرار معين مثلا (المادة الأولية) ، ستأتي معلومات أخرى أو ظروف (الصانع) وستسبب بتأثيرها على حالة الدماغ الأولى الوصول لحالة ثانية للدماغ مثلا تغيير في القرار (المصنوع). إذا حتى كقانون عقلي لا زالت السببية تحتاج ثلاثة أطراف ومن يريد الاستدلال بالسببية فعليه الالتزام بمفهومنا عن السببية لا أن يستدل بالسببية على شيء آخر يسمى الخلق من عدم لا يعرف أحد عنه شيئا.
هل من أحد يزودنا بمثال عن الخلق من عدم؟