الأحد، 11 مارس 2012

الدليل العلمي على عدم وجود إله خالق - الجزء الثاني

 البداية والسبب
الحقيقة التجريبية المتمثلة بالانفجار العظيم دفعت بعض المتدينين للاحتجاج بها لاثبات وجود خالق. في عام 1951، البابا بيوس الثاني عشر خطب قائلا:" الخلق حدث عند زمن معين، لذلك هناك خالق". العالم القس جورج لومتر،الذي كان أول من اقترح نموذج الانفجار العظيم، نصح البابا ألا يجعل عبارته السابقة معصومة من الخطأ. المدافع عن المسيحية وليام لين كريغ وضع بعض الحجج المعقدة يدعي فيها أن الكون لا بد أن يكون  له بداية وأن هذه البداية تدل على خالق شخصي. واحدة من حججه مبنية على النسبية العامة، التي تمثل النظرية الحديثة للجاذبية والتي تشرها اينشتاين عام 1916، ومنذ ذلك الوقت نجحت في اجتياز اختبارات تجريبية صارمة.
عام 1970، العالم الكوني ستفين هوكينج والعالم الرياضياتي روجر بنروز، وباستخدام نظرية اشتقت قبل ذلك بواسطة بنروز، اقترحا  أن تفرد singularity  حدث في بداية الانفجار العظيم. وبحساب النسبية العامة رجوعا للخلف حتى الزمن صفر، يصبح الكون أصغر وأصغر بينما تزيد الكثافة ويزيد مجال الجاذبية. وعلى الأقل باستخدام رياضيات النسبية العامة تصبح الجاذبية لانهائية. عند هذه النقطة يزعم كريغ أن الوقت يجب أن يتوقف وبالتالي لا يمكن وجود وقت قبل ذلك.
لكن، هوكنج  تخلى عن اثباته الأول. في كتابه "تاريخ موجز للزمن" يقول جازما: في الحقيقية لم يكن هناك أي تفرد عند بداية الكون. هذا الاستنتاج المعدل، والذي وافقه فيه أيضا بنروز، ينتج من ميكانيكا الكم، التي تم التحقق منها اليوم إلى دقة متناهية. ميكانيكا الكم تخبرنا أن النسبية العامة كما هي مصوغة اليوم تنهار عندما يصل الوقت لأقل من وقت بلانك ، Planck time، 6.4 x 10-44 ثانية، وتنهار كذالك عند وصول الطول لأقل من طول بلانك المذكور سابقا. مما سبق نستنتج أن النسبية العامة لا يمكن استعمالها للاستدلال على حدوث تفرد قبل وقت بلانك وتصبح حجة كريغ باستخدام نظرية التفرد لاثبات بداية الزمن باطلة.
كريغ ومتدينون آخرون أيضا طرحوا حجة أخرى هي أن الكون لا بد ان يكون له بداية لأنه لو كان قديم بلا نهاية، فسوف يستغرق ذلك وقت لا نهائي للوصول إلى الحاضر. لكن الفيلسوف كيث بارسونز رد على ذلك بقوله : " القول أن الكون قديم بلانهاية يعني أنه لا يوجد له بداية، وليس أن هذه البداية كانت قبل زمن لا متناهي".
اللانهاية هي مفهوم رياضياتي تجريدي تم صياغته من قبل العالم الرياضياتي جورج كانتور في نهاية القرن التاسع عشر. لكن الرمز ‘∞’ يستخدم في الفيزياء للتعبير عن عدد ذا قيمة كبيرة جدا. الفيزياء تهتم بعدّ الأشياء. الزمن في الفيزياء ببساطة هو عدد دقات الساعة. يمكن العدّ للخلف  كما يمكن العد للأمام. بالعد للأمام يمكن أن تحصل على عدد كبير جدا لكن لكن لن تصل أبدا لعدد لانهائي موجب لذلك الزمن لا يمكن أن ينتهي لأننا لا يمكن أن نصل إلى إلى إلى . بالعد للخلف يمكن الحصول على عدد سالب كبير لكن لن تصل أبدا لعدد لانهائي سالب وبالتالي فالوقت ليس له بداية لأننا لا يمكن أن نصل إلى -. حتى لو لم يكن الكون له عدد لا نهائي من الأحداث في المستقبل، فإنه لا يزال لا يحتاج إلى بداية. وبالمثل حتى لو لم يحوي الكون عدد لا نهائي من الأحداث في الماضي فإنه لا يزال بغير حاجة إلى بداية. يمكن دائما وجود حدث يتلو آخر، ويمكن دائما وجود حدث يسبق الآخر.
يزعم كريغ أنه إذا استطاع اثبات أن للكون بداية، فهذا كاف للدلالة على وجود إله شخصي. يتم صياغة هذه الحجة فيما يسمى الحجة الكونية الكلامية المستمدة من اللاهوت الاسلامي. الحجة يمكن تلخيصها كالتالي:
  1. أي شيء بدأ في الوجود له سبب
  2. الكون له بداية
  3.  لهذا الكون له سبب
هذه الحجة تم نقضها من الكثير من الفلاسفة على أسس منطقية. ولا حاجة لإعادة ردود الفلاسفة هنا لأننا نريد التركيز على العلم. في كتاباته، كريغ يعتبر النقطة الأولى في الحجة كأمر بديهي لا يحتاج لتبرير أكثر من الخبرة اليومية للانسان. لكن نفس هذا النوع من الاخبرة البشرية يخبرنا أيضا أن الأرض مسطحة.
في الحقيقة، الأحداث الفيزيائية على المستوى الذري والمستوى دون الذري لوحظ أنها تجري بدون سبب. على سبيل المثال، عندما تنتقل ذرة في حالة مرتفعة من الطاقة إلى حالة أقل من الطاقة فإنها تطلق تطلق فوتون، وهو جسيم الضوء، لا يوجد سبب لهذا الحدث. كذلك لا يوجد سبب مثبت للنشاط الاشعاعي للأنوية المشعة.
كريغ رد بأن الأحداث الكمية لا تزال مسببة، وأنها فقط مسببة بطريقة غير محددة يسميها "سببية احتمالية" probabilistic causality . في الواقع، فإن كريغ بزعمه هذا يعترف أن السبب يمكن أن يكون عشوائي، شيء عفوي أو شيء غير محدد سابقا. بالسماح للأسباب الاحتمالية، فإنه يدمر حجته نفسها للخلق غير العشوائي والمحدد سلفا.
نمتلك الآن نظرية ناجحة جدا للأسباب الاحتمالية أعني ميكانيكا الكم. إنها لا تتنبأ بمتى سيحدث حدث معين، وتفترض ان الأحداث المنفصلة ليس مسبقة التحديد. الاستثناء الوحيد هو فقط في حالة تفسير ديفيد بوم لميكانيكا الكم. لكن حتى هذا التفسير فإنه يفترض وجود قوة تحت كمية غير محددة. وإن كان هذا التفسير له بعض المؤيدين، لكن بشكل عام فإنه غير مقبول لأنه يتطلب علاقات مفرطة اللمعية، أي أسرع من الضوء، وهذا يخرق قواعد النسبية العامة. كما أنه لم يتم العثور على أي دليل على وجود قوى تحت كمية.
بدلا من التنبؤ بالأحداث المنفصلة، فإن ميكانيكا الكم تستخدم للتنبؤ بالتوزيع الاحتمالي لناتج مجموع الأحداث المتشابهة. إنها تستطيع ذلك بدقة عالية. على سبيل المثال، الحسابات الكمية ستخبرك كم عدد النوى في عينة كبيرة سوف تتحلل بعد وقت معين. أو يمكنك التنبؤ  بشدة الضوء الصادر من مجموعة من الذرات المتهيجة، والذي يمثل العدد الكلي للفوتونات المنبعثة. لكن لا ميكانيكا الكم ولا أي نظرية أخرى بما فيها نظرية بوم، تستطيع قول أي شيء عن تصرف نواة بعينها أو ذرة لوحدها. الفوتونات المنبعثة من الانتقال الذري تأتي للوجود عفويا، كما هو حال الجسيمات المنبعثة في الاشعاع الذري. بهذ الظهور العشوائي غير المحدد سلفا فإنها تناقض النقطة الأولى في دليل كريغ.
في حالة النشاط الاشعاعي، يلاحظ أن التحلل يتبع قانون أسي. لكن هذا القانون الاحصائي هو المتوقع في حالة أن احتمال التحلل في مدة زمنية قصيرة معينة هو نفسه لجميع الفترات بنفس المدة الزمنية. بمعنى أن منحنى التحلل نفسه هو دليل أن الأحداث المنفصلة تقع بشكل عشوائي غير محدد سلفا.
ميكانيكا الكم والميكانيكا التقليدية (النيوتنية) ليستا منفصلتان عن بعضهما البعض كما هو الاعتقاد الشائع. في الحقيقة، ميكانيكا الكم تتغير بنعومة إلى الميكانيكا الكلاسيكية عندما تكبر متغيرات النظام مثل الكتلة والمسافة والسرعة وتصل إلى القيم التقليدية. عندما يحدث هذا تنهار الاحتمالات الكمية إلى صفر أو 100%، مما يعطينا تأكيدا على هذا المستوى. لكن، هناك العديد من الأمثلة حيث تكون هذه الاحتمالات ليست صفر أو 100%. حسابات الاحتمالات الكمية تنطبق مع الملاحظات التي تتم على أنظمة لأحداث متشابهة.
لاحظ أنه حتى لو صحت الحجة الكلامية الكونية وأن الكون يحتاج لسبب، لماذا لا يمكن أن يكون هذا السبب طبيعي؟ كما هو واضح فالحجة الكونية تفشل على المستويين التجريبي أو النظري حتى بدون أن نصل للنقطة الثانية من الحجة.
على أي حال، مسمار آخر في نعش الحجة الكلامية الكونية ينتج من فشل النقطة الثانية في الحجة أيضا. كما رأينا سابقا، فإن دعوى أن الكون كان له بداية لحظة الانفجار العظيم ليس لها مكان في المعرفة الفيزيائية والكونية الحالية. مشاهدتنا للانفجار العظيم لا يلغي احتمال أن يكون هناك كون سابق. نماذج نظرية تم وضعها تقترح أن الكون الحالي جاء من كون سابق. على سبيل المثال بعملية تسمى النفق الكمي quantum tunneling أو التموج الكمي quantum fluctuations. المعادلات التي تصف  الحالة الاولية للكون تنطبق كذلك على الطرف الآخر من محور الزمن. لهذا فلا يوجد سبب يجعلنا نفترض أن الكون بدأ  مع الانفجار العظيم.
كما رأينا فإنه لا يوجد أي دليل على أي معجزة حدثت لحظة الانفجار العظيم. هذا يدل أن الانفجار العظيم يمكن أن يكون حدث طبيعي. في الحقيقة، هذا هو الاستنتاج الأكثر منطقية بناء على  غياب أي دليل على حدوث أي خرق للقوانين الفيزيائية المعروفة. علماء فيزياء وكونيات بارزين قاموا بنشر- وفي المجلات العلمية المشهورة - عدد من الاقتراحات حول كيف يمكن أن يكون الكون نشأ من العدم طبيعيا. على الرغم من أن هذه الاقتراحات لا زالت مجرد تكهنات لكنها مبنية على أسس علمية ثابتة. وكلها لا تخرق أي قانون فيزيائي معروف. هؤلاء  الكتاب لم يدعوا أنهم أثبتوا أن اقتراحاتهم هي ما حدث بالفعل. عبء الاثبات يقع على الذين يريدون اثبات أن هذه السيناريوهات مستحيلة.
باختصار، المعطيات التجريبية والنظريات التي تصف بنجاح هذه المعطيات تشير إلى ان الكون لم يأت من خلق هادف. بناء على أفضل معرفتنا الكونية اليوم، نستنتج دون أدنى شك أن الإله الخالق غير موجود.

المراجع

السبت، 3 مارس 2012

الدليل العلمي على عدم وجود إله خالق - الجزء الأول

هذا الدليل مترجم بتصرف من مقال نشره العالم الفيزيائي الأمريكي فيكتور ستينجر عام 2008.
ملخص الدليل
1.       افترض وجود إله عالي الذكاء كلي القدرة و فوق طبيعي وأنه خلق الكون الفيزيائي.
2.       لا بد من وجود دليل تجريبي يدل على حدوث خلق هادف وخارق للطبيعية لهذا الكون، يتمثل هذا الدليل في خرق مشاهد لواحد أو أكثر من القوانيين الفيزيائية.
3.       لا يوجد دليل تجريبي يدل على خلق هادف للكون لأنه لم يتم خرق أي من القوانين الفيزيائية في بداية الكون.
4.       الفيزياء الحديثة تشير إلى أن الحالة الأولية لكوننا  كانت قيمة عظمى للفوضى chaos لذلك فلا يمكنها أن تحتوي أي ذاكرة للخالق.
5.       العلماء يمكنهم تقديم سيناريوهات معقولة وطبيعية تماما اعتمادا على النظريات الكونية  الراسخة، توضح كيف يمكن أن يكون كوننا  قد نشأ من حالة أولية من العدم.
6.       نستنتج بما لا يدع مجالا للشك أن الإله الخالق عالي الذكاء ومطلق القدرة وفوق الطبيعي غير موجود.
التفصيل
من وجهة نظر العلم الحديث، ما هي الآثار التجريبية والنظرية للخلق من إله خارج الطبيعة ؟ لنثبت أن الخلق حدث من خارج الطبيعة علينا أن نبحث عن دليل على أن الكون
(1) له بداية
(2) أن هذه البداية لم تكن لتحدث طبيعيا.

 أحد الإشارات على الخلق فوق الطبيعي سيكون دليل تجريبي مباشر أن معجزة كانت ضرورية لجلب الكون إلى الوجود.  بمعنى أن المعطيات الكونية يجب أن تظهر وتدل على خرق أو أكثر لأحد قوانين الطبيعة الراسخة، أو أن تتطلب النظريات التي تصف هذه المعطيات بنجاح بعض العناصر السببية التي لا يمكن أن تفهم في سياق مادي أو طبيعي محض.
لكن ما هي المعجزة أو الأمر الخارق للطبيعة؟ الفيلسوف ديفيد هيوم لفت الانتباه قبل عدة قرون إلى المشاكل العديدة في مفهوم المعجزات. يمكن تصنيف المعجزات ضمن ثلاثة أنواع: (1) خرق لقوانيين الفيزياء المقررة، (2) أحداث لا تفسير لها، و(3) صدفة مستبعدة جدا. إذا لوحظ خرق لقانون فيزيائي، فاحتمال أن القانون هو الخطأ أكثر عقلانية من أن نتصور أن تدخلا إلهيا قد حدث. أما إذا كنا نعرف المعجزة بأنها أحداث لا تفسير لها، فكيف يمكننا أن نجزم أن تفسيرا ما لن يكتشف يوما ما؟ وإذا كنا نرى المعجزة كصدفة مستبعدة جدا، فكيف لنا أن نتأكد أنها لم تكن مجرد صدفة عشوائية. هذا يطرح أسئلة حرجة على أي شخص يجادل بناء على المعجزات على وجود إله.
على أي حال، ليست مهمتى هنا أن أجد تعريفا للمعجزة. اللاهوتي ريتشارد سوينبرن، الذي أخذ على عاتقه هذه المهمة، يقترح أن نعرف المعجزة كاستثناء غير متكرر لقانون طبيعي. القوانين توضع أساسا لتصف أحداث متكررة. لهذا سنعتمد هذا التعريف في بحثنا عن معجزة حدثت لخق الكون. بمعنى سوف نبحث عن دليل على خرق لقوانيين طبيعية راسخة بحيث يكون هذا الخرق لا يعيد نفسه بأي نمط قانوني.
لا شك أن الإله، إن وجد، قادر على تكرار المعجزات إن إراد. لكن، الأحداث المتكررة تعطي معلومات أكثر يمكن أن تقود إلى تفسير طبيعي. بينما أحداث غير متكررة وغير مفسرة من الأرجح أن تبقى غير مفسرة. دعنا نعطي فرضية الإله كل الفرصة ونبقي احتمال كون الأحداث التي لا تفسير لها أو الصدف المستبعدة جدا أيضا معجزات. في حال أنه حتى بأضعف تعريف للمعجزة لم  نلاحظ أي معجزة، حينذاك يكون لدينا دعم قوى ضد وجود إله يوجه الأحداث الخارقة.
دعنا ننتقل للنظر للدليل على الخلق الخارق للطبيعة ضمن ملاحظاتنا للكون
خلق المادة
يحتوي الكون حاليا على قدر كبير من المادة تتميز بالوحد الفيزيائية المعروفة اليوم بالكتلة. قبل القرن العشرين، كان يعتقد ان المادة لا يمكن أن تفنى ولا أن تستحدث من العدم، وأنها فقط تتحول من حالة لأخرى. لهذا كان مجرد وجود المادة معجزة وخرق لقانون حفظ المادة المفترض حدث فقط مرة واحدة لحظة الخلق.
لكن في نظريته النسبية الخاصة التي نشرت سنة 1905، أثبت ألبرت اينشتاين أن المادة يمكن أن تتخلق من الطاقة، وأنها يمكن أن تتحول إلى طاقة. بمعنى أن الكتلة والطاقة الساكنة متكافئة، وأن الجسم الساكن يحتوي طاقة. عندما يتحرك الجسم يحمل المزيد من طاقة الحركة. في التفاعلات الكيميائة والنووية يتم تحويل الطاقة الحركية لطاقة ساكنة وهو ما يعادل توليد كتلة. أيضا العكس يحدث، الكتلة أو الطاقة الساكنة يمكن تحويلها لطاقة حركية. بهذه الطريقة التفاعلات الكيميائة والنووية تستخدم لتحريك المحركات وتفجير الأشياء.
وبالتالي، وجود الكتلة في الكون لا يخرق أي قانون طبيعي. فيمكن للكتلة أن تأتي من الطاقة. لكن من أين جاءت هذه الطاقة؟ واحدة من أهم القواعد في الفيزياء هي قانون حفظ الطاقة، المعروف أيضا بالقانون الأول للديناميكا الحرارية، وهو يتطلب أن تأتي الطاقة من مكان ما. فرضية الخلق يمكن تأكيدها  في حال أن الملاحظة المباشرة أو المتطلبات النظرية أثبتت أن قانون حفظ الطاقة قد تم خرقه قبل 13.7 مليار سنة مع بداية الانفجار العظيم.
لكن، لا الملاحظة ولا النظرية تؤشر إلى حدوث خرق لقانون حفظ الطاقة. القانون الأول يسمح للطاقة بالتحول من نوع إلى آخر طالما محموع الطاقة للنظام المغلق يبقى ثابتا. من الملاحظ أن مجموع طاقة السكون والحركة للأجسام في الكون البدائي هي بالضبط تساوي طاقة الوضع السالبة التي تنتج من قوى التجاذب المتبادل. ضمن قياس بهامش خطأ صغير و مبدأ عدم التأكد الكمي، متوسط كثافة الطاقة في الكون تماما كما هو متوقع لكون ظهر من حالة أولية كانت فيها الطاقة تساوي صفر.
علاوة على ذلك، اتزان مغلق بين الطاقة الموجبة والسالبة تم التنبؤ به بواسطة نسخة حديثة من نظرية الانفجار العظيم، تسمى الانفجار العظيم التضخمي. بناء على هذا النظرية الحديثة الكون مر بفترة من التوسع السريع الأسي خلال جزء صغير جدا من الثانية الأولى. نظرية التوسع مرت حديثا بعدد من الاختبارات الصارمة التي كانت كفيلة باثبات خطأها. لكن حتى الآن نجحت النظرية في هذه الاختبارات بشكل ملفت للنظر.
باختصار، وجود المادة في الكون لا يتطلب خرق قانون بقاء الطاقة لحظة الخلق المفترض. في الحقيقة، المعطيات تدعم بقوة فرضية عدم حدوث مثل هذه المعجزة. إذا افترضنا أن وقوع هذا المعجزة هو أحد تنبؤات فرضية الإله ، فهذا التنبؤ لم يتم العثور عليه.
نظام الخلق Creating Order
تنبؤ آخر لفرضية الخالق اللافيزيائي أيضا لم يتم العثور عليه. هذا التنبؤ هو أنه في حالة أن الكون خُلق فلا بد أنه كان يملك درجة من النظام  لحظة الخلق، هذا النظام هو التصميم الذي تم وضعه بواسطة المصمم الأعظم. النظام يتم التعبير عنه عادة بالقانون الثاني للديناميكا الحرارية، التي ينص على أن الانتروبيا entropy  أو الفوضى disorder للنظام المغلق يجب أن تبقى ثابتة أو تزيد مع الزمن. قد يبدو أن هذا يعني أنه في حالة أن الكون اليوم مغلق، فلم يكن بمقدوره أن يكون دائما على هذا الحال. عند نقطة معينة في الماضي، النظام يجب أن يكون تم نقله من خارج الكون.
قبل 1929 ، كانت هذه حجة قوية للخلق. لكن في هذه السنة العالم الفلكي إدوين هابل اكتشف أن المجرات تتحرك مبتعدة عن بعضها البعض بسرعة تتناسب مع المسافة بينها. مما يؤشر على أن الكون نفسه يتمدد. هذا شكل الدليل الأول لنظرية الانفجار العظيم. كون متمدد يمكن أن يكون بدأ بفوضى كاملة total chaos ولكنه لا يزال يستطيع أن يشكل نظام محلي localized order وهذا متوافق مع القانون الثاني للديناميكا الحرارية.
أبسط طريقة لتقريب الصورة هو مثال المنزل. افترض أنك عندما تنظف بيتك تلقي بالقمامة من النافذة في فناء المنزل. في النهاية سيمتلأ الفناء بالقمامة. لكن يمكنك أن تستمر في نفس الفعل لو اشتريت الأراضي حول منزلك بحيث دائما يكون عندك المساحة الكافية لالقاء المزيد من القمامة. في هذه الحالة أنت قادر على حفظ نظام محلي في منزلك على حساب زيادة في الفوضى في بقية الكون.
بشكل مشابه، أجزاء من الكون يمكن أن تصبح أكثر نظاما إذا كانت القمامة أو الانتروبيا التي يتم انتاجها خلال عملية التنظيم يتم رميها في  الفضاء الأكبر المتوسع. الانتروبيا الكلية للكون تزيد مع توسع الكون كما يتطلبه القانون الثاني. لكن الانتروبيا العظمى الممكنة تزيد أيضا وبشكل أسرع  بما يمنح مجال أكبر للنظام ليتشكل. سبب ذلك أن الانتروبيا العظمى لكرة بنصف قطر معين (نحن الآن نعتبر الكون ككرة) هو ثقب أسود بنفس القطر. الكون المتوسع ليس ثقبا أسودا لهذا فإن الانتروبيا للكون أقل من القيمة العظمى. لذلك بينما يتجه الكون ككل  لمزيد من الفوضى مع مرور الزمن، فإنه لا يزال لا فوضويا بالقيمة العظمى. لكن في لحظة معينة من الزمن كان في حالة فوضى عظمى، هذه اللحظة هي لحظة البداية.
افترض أننا حسبنا تمدد الكون بشكل عكسي إلى 13.7 مليار سنة عند أول لحظة يمكن تعريفها، عندها كان الكون مضغوطا في أصغر حجم ممكن من الفراغ يمكننا تعريفه عمليا، وهو كرة بلانك Planck sphere التي  يساوي قطرها طول بلانك 1.6 x 10-35 متر. كما هو متوقع من القانون الثاني للديناميكا الحرارية، الكون في هذا الوقت يجب أن يحتوي على انتروبيا أقل مما هي عليه الآن. لكن هذه الانتروبيا كانت قيمة عظمى عند تلك اللحظة لأن كرة بأبعاد بلانك هي مكافئة للثقب الأسود.
لمزيد من التوضيح، نحن نقول أن انتروبيا الكون كانت قيمة عظمى عند بداية الكون ومع ذلك فإنها تزداد منذ ذلك الوقت. عندما بدأ الكون كانت الانتروبيا أعلى فيمة يمكن أن تكون لشيء بحجم الكون البدائي، لأن الكون كان مكافئ  لثقب أسود الذي لا يمكن استخلاص أي معلومات منه. حاليا الانتروبيا أعلى، لكن ليس العظمى، بمعنى أن الانتروبيا الآن لا تساوي أعلى قيمة يمكن أن تصلها لشيء بحجم الكون الحالي. الكون ليس ثقب أسود الآن. اتساع الكون يمثل عنصر حاسم في  السماح للانتروبيا بالزيادة بشكل عام في حين يسمح لأنظمة محلية في الكون بالنشوء.
عند بداية الانفجار العظيم، كانت الانتروبيا قيمة عظمى، الفوضى كاملة ولم يكن هناك أي نظام على الإطلاق. لهذا بدأ الكون بدون أي نظام لكنه يحتوي اليوم على نظام لأن انتروبيا الكون لم تعد قيمة عظمى.
باختصار، بناء على أفضل ما نفهمه اليوم من علم الكونيات، كوننا بدأ بدون أي نظام سواء كان هذا النظام مصمما أو غير ذلك. لقد بدأ الكون بحالة من الفوضى. لهذا نحن مجبرين على الاستنتاج أن النظام الذي نلاحظه اليوم في الكون لا يمكن أن يكون ناتجا عن حالة أولية من التصميم وُضعت في الكون لحظة الخلق. الكون لا يحتفظ بأي سجل لأي أمر حدث قبل الانفجار العظيم. الخالق – إن كان موجودا- لم يترك أي بصمة.
يتبع...

المراجع